فصل: مطلب في الأسماء وما يستحب منها ويجوز ويحرم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في الأسماء وما يستحب منها ويجوز ويحرم:

{يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى} وهو أسم خصصناه به {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ} في الدهور الماضية {سَمِيًّا} 7 قط تشريفا له وفيه إعلام بأن الغريب جدير بالأثرة وكان ذلك لأنه لم يكن له مثل في أنه يعص اللّه قط ولم يهمّ بمعصية قط، وانه ولد بين شخصين هرمين، وأنه كان حصور لا يأتي النساء مع القدرة، لأن الأنبياء كاملين لا يعتريهم خلل، ولم يشرب الخمر مع أنه غير محرم عليه، ولم يلعب مع الصبيان. قالوا كانت العرب تسمي بالأسماء النادرة لهذه الغاية، قال بعضهم في مدح قوم:
شنع الأسامي مسبلي أزر ** حمر تمس الأرض أهدابها

وقيل للصلت بن عطاء: كيف تقدمت عند البرامكة وعندهم من هو آدب منك؟
فقال: لأني غريب الدار غريب الاسم خفيف الجرم.
وكانت تختار الأسماء التي يتفاءل بها بعيدهم: كسعد وسعيد ومبارك ورزق ومرزوق ومسعود ومهنأ وبشير وشبهها، ويختارون الأسماء الدالة على الغلظة والشر لأنفسهم: كغضبان وعذاب وجدعان ومرار وذباح وهامة ونمر وفهد وما أشبه ذلك.
ولما قيل لهم في ذلك قالوا إن اسماء عبيدنا لنا فنختار الأحسن، وأسماؤنا لأعدائنا فنختار لهم ما يوقع مهابتنا فيهم، مثل الضاري والسبع والهيثم والعادي، أما الأسماء المطلوبة في الإسلام فهي كما قال عليه الصلاة والسلام: خير الأسماء ما عبد وحمد كعبد اللّه وعبد الرحمن وعبد اللطيف ومحمد وأحمد ومحمود وما أشبه ذلك، وكرهوا اسم نافع ورابح وخير وشبهها لتفاؤل الشر بنفيها من قولهم لا نافع ولا رابح ولا خير في الدار إلى غير ذلك، وحرموا التسمية بعبد الحارث وعبد العزى وعبد الدار وغيرها من اسماء الجاهلية لما فيها من نسبة العبودية لغير اللّه تعالى {قالَ رَبِّ أَنَّى} كيف {يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} 8 يبسا وعساوة في المفاصل والعظام وصرت في حالة يأس، وهذا الاستفهام منه عليه السلام ليس على طريق الاستبعاد، وسيأتي توضيحه في تفسير الآية 40 من آل عمران إن شاء اللّه فراجعه، إذ جاءت هذه القصة فيها أوضح من غيرها في سائر السور، وهكذا نؤخر بيان القصص إلى السور التي هي فيها أوسع لأنها أوفى بالمقصود منها {قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ} مثل هذا الأمر الذي ترونه صعبا أولا يكون {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} ليس بشيء كيف {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ} يحيى يا رسولي {وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} 9 موجودا أو خلقت أباك آدم من العدم، أفلا أخلق لك ولدا من أبوين مهما كانا في الهرم؟ وفي هذه الآية دلالة كافية على أن المعدوم ليس بشيء كما هو معتقد أهل السنة والجماعة قال في بدء الأمالي:
وما المعدوم مرثيا وشيئا ** لفقه لاح في بمن الهلال

فما قاله الغير من أن المعدوم شيء لا قيمة له لمخالفته الإجماع.
ومفهوم هذه الآية كما قال بعض المحققين.
المراد، ابتداء خلق البشر إذ هو واقع إثر العدم المحض المستفاد من قوله: {وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} لأن ما كان بعد ذلك كان بطريق التوالد المعتاد، فكأنه قيل وقد خلقتك من قبل في تضاعيف خلق آدم، ولم تك إذ ذاك شيئا أصلا، بل كنت عدما بحتا.
وهذا المعنى مستفاد من قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} وقد ألمحنا إليه في تفسير الآية 10 من سورة فاطر المارة، وسنأتي على توضيحه في تفسير الآية 49 من سورة الأنعام في إن شاء اللّه، وإنما لم يقل وقد خلقنا أباك آدم من قبل ولم يك شيئا مع كفايته في إزالة الاستبعاد لقياس حال ما بشر به على حاله عليه السلام، لتأكيد الاحتجاج وتوضيح منهاج القياس من حيث نبّه على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشائه عليه السلام من العدم، لأنه أبدع أنموذج طوي على سائر آحاد جنسه، فكان إبداعه على ذلك الوجه إبداعا لكل أحد من فروعه إلى آخر الدوران، ولما كان خلقه عليه السلام على هذا النمط المساوي إلى جميع ذريته أبدع من أن يكون مقصودا على نفسه كما هو المفهوم من نسبة الخلق المذكور إليه، وأدلّ على عظيم قدرته تعالى وكمال علمه وحكمته، وكان عدم زكريا حينئذ أظهر عنده، وكان حاله أولى بأن يكون معيارا لحال ما بشّر به لينسب الخلق المذكور إليه، كما نسب الخلق المذكور إليه، كما نسب الخلق والتصوير إلى المخاطبين في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ} الآية 10 من سورة الأعراف المارة توفية لمقام الامتنان في حقه، وقرأ الكسائي وغيره خلقناك على التعظيم، وإنما جوز هذه القراءة لما يقصد فيها من تعظيم العظيم ليس إلا، وإلا فالقياس عدم جوازها لما فيها من تغيير التاء بالنون وزيادة الألف، والشرط في القراءات عدم الزيادة والنقص والتغيير كما أوضحناه في بحث القراءة في المقدمة وفي مواقع أخر ستمر عليك {قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً} على حمل زوجتي بما بشرتني به {قالَ آيَتُكَ} على ذلك {أَلَّا} تستطيع ولا تقدر بحسب الطبع أن {تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا} 10 كاملات متتابعات، وجاء في آل عمران {ثلاثة أيام} الآية 41 في وعدم استطاعتك على تكليم الناس خلال هذه المدة من غير بأس فيك كخرس أو مرض أو غيره حال كونك سوى الخلق سليم الجوارح.
روى عن أبي زيد أنه لما حملت زوجته عليه السلام أصبح لا يستطيع أن يكلم أحدا مع أنه يقرأ التوراة، حتى إنه إذا أراد مناداة أحد لم يطق.

.مطلب ذكر الليالي دون الأيام:

وكلمة سويا تفيد معنى آخر وهو ما ذكرناه من أن الليالي مع أيامها كاملات والعرب تتجوز أي تكتفي بذكر أحدهما عن الآخر ولهذا جاء هنا ليالي وفي آل عمران أيام، والنكتة في ذكر الليالي هنا والأيام هناك، أن هذه السورة مكّيّة سابقة النزول، وتلك مدنية متأخرة النزول، والليالي عندهم سابقات الأيام لأن شهورهم وسنيهم قمرية تعرف بالأهلّة، ولذلك اعتبروها بالتاريخ.
وقال تعالى: {وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ} الآية 60 من سورة يس المارة، فأعطى السابق للسابق، لأن هذه الآية تفيد أن الليل لا يسبق النهار من جهة لحوقه به وعدم إدراك أحدهما الآخر، إذ يقول في صدر الآية: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} فلا حجة في الآية على نفي ذلك، لأنه متعارف مشهور حتى إنك تقول ليلة كذا ولا تقول نهار كذا، وتريد فيه الليل الذي يليه بخلاف ذلك.
والليالي جمع ليل على غير قياس كأهل وأهالي، أو جمع ليلاة وتجمع على لياليل.
قال تعالى: {فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ} موضع خلوته وتعبده {فَأَوْحى إِلَيْهِمْ} أشار إليهم بأصابعه لعدم قدرته على تكليمهم وقيل كتب لهم ذلك إذ يطلق الوحي على الكتابة عند العرب قال عنترة:
كوحي صحائف من عهد ** كسرى فأهداها لأعجم طمطميس

وقد فسر ما أشار به إليهم بقوله: {أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} 11 أي نزهوا ربكم عما هو من شأن كافة الحوادث صباح مساء، ففعلوا، قالوا فكان الحمل وكانت الولادة عند تمام مدتها، وقال تعالى مخاطبا لذلك المولود المبارك عند ولادته {يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ} التوراة، لأنه لم ينزل بعد موسى كتاب فيه أحكام غيرها، أما الزبور الذي أنزل على داود فيه أذكار وأمثال، وأما الإنجيل فلم ينزل بعد حيث أنزل على ابن خالته عيسى عليه السلام الذي بعده بستة أشهر، أي خذه أخذا {بِقُوَّةٍ} جد وحزم وعزم، واجتهد أن تعمل به وتأمر قومك بالعمل به، قال تعالى: {وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} 12 أي النبوة التي لم تعط لمثله قبله قط ولا بعده إلا لعيسى عليه السلام، لانها مبنية على خرق العادة، وللّه أن يعطيها من يشاء من خلّص من عباده بمحض الفضل، فإذا ثبت هذا وهو ثابت محقق فلا يمنع صيرورة الصبي نبيا لان نبوته على صغره أمر خارق للعادة أيضا ولا شك أن اللّه تعالى أحكم عقله وأهله لوحيه.
روى عن ابن عباس رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال في ذلك إنه أعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين.
وجاء في رواية أخرى عنه مرفوعا أنه قال: قال العلمان ليحيى بن زكريا عليهما السلام اذهب بنا نلعب، فقال أللّعب خلقنا؟ اذهبوا نصلي فهو قوله تعالى: {وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} وأكثر المفسرين على أن الحكم الذي أعطاه اللّه إياه هو النبوة، وما ذكر أنه الفهم بسبب قراءته التوراة وهو صغير مستدلا يقول بعض السلف: من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فقد أوتي الحكم، ليس بشيء.
قال تعالى: {وَحَنانًا مِنْ لَدُنَّا} أعطيناه أيضا رحمة ورأفة وشفقة على أبويه وغيرهما، لأنه نبي مرسل وهذه الصفات من مقتضيات النبوّة.
قال الحطيئة يخاطب عمر رضي اللّه عنه:
تحنن عليّ هداك المليك ** فإن لكل مقام مقالا

أي ترحم.
ويطلق الحنان على اللّه جل شأنه، ولا وجه لمن منع إطلاقه عليه لوروده في بعض أدعيته صلى اللّه عليه وسلم حتى عده بعضهم في الأسماء الحسنى، ولكنه بالتشديد ليس بالتخفيف كما هنا ليدل على التكثير وبعضهم لم يعده قال المنذر بن درهم الكلبي:
وأحدث عهد من أمينة نظرة ** على جانب العلياء إذ أنا واقف

تقول حنان ما أتى بك هاهنا ** أذو نسب أم أنت بالحي عارف

وقال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ** حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض

فكل هذا مما يؤيد أن الحنان بالتخفيف بمعنى الرحمة، وقيل مأخوذ في الأصل من حنّ بالتشديد بمعنى اشتاق وارتاح {وَزَكاةً} أعطيناه أيضا طهارة من مقارفة الذنوب ومقاربة العيوب، وقيل بركة، أي جعلناه نفاعا مباركا معلما للخير.
وجاء في الإنجيل ما لفظه مبارك من الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب. وفيه يقول السيد عيسى عليه السلام لم يقم أحد من بين المولودين أعظم من يوحنّا المعمدان. ويحيى عليه السلام المعمدان لأنه كان يعمد الذين يسلمون على يده وأولادهم بأن يأمرهم بالاغتسال. وهو عمّد أي غسل السيد عيسى عليهما السلام.
والتعميد بمعنى التغسيل لعة متعارفة عند النصارى {وَكانَ تَقِيًّا} 13 مطيعا مخلصا متجنبا كل ما يلهي عن اللّه، وهذه الصفات التي أخبر اللّه بها تؤيد تشريفه بالنبوة حال صباه، لانه لا يتحلى بها إلا الكاملون {وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ} لأنه علم بتعليم اللّه إياه أن لا عبادة بعد تعظيم اللّه تعالى أعظم من برّ الوالدين.
قال تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا} الآية 21 من سورة الإسراء الآتية، ثم نفى اللّه عنه ما قاله بعض قومه أنه خرج على غير طريقهم تجبرا عليهم وعصيانا لهم، فقال جل قوله: {وَلَمْ يَكُنْ} ممن تحلى بهذه الصفات الحميدة الجليلة {جَبَّارًا عَصِيًّا14} بل كان متواضعا لين الجانب سهل المأخذ يسر المخاطبة كثير الطاعة لوالديه، لأن نفي الصنفين الكائنين بلفظ المبالغة يثبت عكسهما له عليه السلام بلفظ المبالغة أيضا: {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا 15} وهذا كله باق دائم له من جانب ربه في أحواله الثلاث المهمة، أي أنه لم ينله الشيطان يوم ولادته، وإنه يحميه من فتاني القبر إذا مات، ومن الفزع الأكبر والعذاب حين ينشر من قبره، وهذه المواطن الثلاث أوحش ما يلاقيه الإنسان، يوم يولد يرى نفسه خارجا مكرها من مقره فيسقط باكيا، ويوم الموت يرى من الأشباح والآلام ما ترتعد له الفرائص وترتج لهوله القلوب، ويوم البعث يرى مشهدا لا يوصف ما فيه من الشدة والكرب، راجع تفسير الآية الأولى من سورة الحج في، وهذه البشارة الواردة في القرآن العظيم خصّت به وبالسيد عيسى عليهما السلام، ولا أعظم منها بشارة {وَاذْكُرْ} يا محمد لقومك وغيرهم قصة مريم بعد قصة يحيى العجيبتين {فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ} بنت عمران التي قصتها أعجب من قصة ابن أختها يحيى {إِذِ انْتَبَذَتْ} اعتزلت وتنحت، وأصل النبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به، أي أنها لم تبال بنفسها حيث انفردت وتباعدت {مِنْ أَهْلِها} ومن الناس أجمع {مَكانًا شَرْقِيًّا} 16 من دار أهلها وقريتها لتغتسل وتتخلى للعبادة، وقيل قعدت في مشرفة لتغتسل من الحيض، ويؤيد هذا القيل معنى قوله تعالى: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجابًا} ساترا لها لئلا يراها أحد حين اغتسالها على القول بأن ابتعادها لهذه الغاية، أو حائطا أو جبلا على القول بأن اعتزالها كان لمحض العبادة، ولكن لفظ الاتخاذ يؤيد الأول ويؤكده قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا} جبريل عليه السلام، وإنما سمي روحا لأن الدين يوحى به، لأنه واسطة الوحي وتبليغه للرسل، والإضافة للتشريف، أو لأنه محبوب اللّه ومقربه وأمين وحيه، كما تقول لحبيبك أنت روحي لفرط محبتك له، وقرئ روحنا بفتح الراء، وإنما سمي به لانه سبب الروح للعبادة، ولأنه من جملة المقرّبين الموعودين بالروح في قوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} الآية 40 من سورة الواقعة الآتية، وقرئ روحنّا بتشديد النون اسم ملك، وليست بشيء، ولا وجه لمن قال إن المراد بروحنا عيسى عليه السلام محتجا بقوله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} الآية 170 من سورة النساء في، لأنه لم يكن بعد فكيف يرسله، وينافيه قوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَها} ذلك الملك المسمى بالروح فكيف يتصور أنه عيسى ولم يخلق بعد؟ وما قيل إن ضمير تمثل يعود إلى ملك غير مذكور يأباه سياق النظم الكريم، فكان عليه السلام حينما تمثل لها {بَشَرًا سَوِيًّا} 17 كامل الخلق لئلا تنفر منه ولتستأنس بكلامه، لأنه لو جاءها بصورته الحقيقة لما استطاعت النظر إليه لما أعطاه اللّه من بداعة الخلق والهيبة والصفة العجيبة- راجع تفسير الآية 21 من سورة التكوير المارة- وما قيل إنه تمثل لها بصورة البشر لتهيج شهوتها قيل خاطئ تتنزه عنه السيدة مريم ويكذبه قولها حين رأته أقبل عليها وهو {قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} 18 تخاف اللّه فتباعد عني ولا تقربني، فهذا شاهد عدل على أنه لم يخطر ببالها شائبة ميل ما البتة، وقولها هذا غاية في كمال عفتها ونزاهتها عليها السلام، مع أنه إذ ذاك كان غير محذور اختلاط النساء بالرجال ومكالمتهم فلا مانع ولا شبهة فيه، ولم يحرم النظر على الأجنبية إلا زمن عيسى عليه السلام، كما جاء في الاصحاح 5 من إنجيل متى، وسنبينه في تفسير الآية 29 من سورة النور في إن شاء اللّه.